Laura B.L.
نالا
كان على وشك الإمساك بي. لم أستطع تذكر المدة التي قضيتها وأنا أركض، لكن كنت اشعر بصدري يحترق. بالكاد أستطعت التنفس.
مررت بالغابة بينما كنت أحاول العثور على مخرج.
لا بدّ أن اللايكان كان خلفي مباشرة، وإذ اخترقت رائحة خلابة أنفي على حين غرة، متسببة بعواء نيللي، ذئبتي. هو أيضا عوى من بعيد رداً عليها.
"رفيقى،" زمجرت هي.
"استجمعي قواك،" رددت عليها بحدة وأخيراً استطعت الخروج إلى منطقة خالية من الأشجار.
لكن، خلف خط الأشجار لم يكن هناك سوى منحدر.
نظرت إلى الأعماق القاتمة والغامضة بالأسفل. تحطمت الأمواج بعنف ضد وجه الجرف. كانت رغوة البحر تتبدد ببطء.
ثم، وبما بدا وكأنه من العدم، كان هناك. تحول أمامي مباشرة فراءه الداكن تحول إلى شعر أسود حالك.
تلمع عضلاته في ضوء الشمس.
كانت الرائحة آسرة. بالكاد استطعت التفكير.
تنفس بعمق، عيناه الداكنتان تحدقان بشدة في عيني. كان ينتظر مني أن أقول شيئًا.
لم أنبس بكلمة. استدرت وقفزت.
قبل أسبوع واحد
تدلت ساقيّ على جانب المنحدر. شاهدت الأمواج تتحطم على الصخور بالأسفل. كانت تثيرني حقيقة قدرتى على القفز إلى الأعماق المظلمة.
بالطبع لن أفعل. لكن الفكرة ظلت مدفونة في أعماق ذهني.
نسيم بارد داعب وجهي بينما اندفعت رائحة المحيط عبر أنفي.
ذئبتي، نيللي، كانت بحاجة للركض في البرية. لا شيء مثل عطلة عائلية في المملكة الملكية ليجعلها قلقة ومتوترة. لهذا انتهى بي المطاف هنا.
المملكة الملكية - الدنمارك - كما يسميها البشر، لم تكن لتختلف أكثر عن قريتي المعزولة. لم يكن لدينا محيطات كهذه حيث كنت أسكن.
كان موطني يقع في أرض الهجناء، المكان الوحيد حيث تعيش الهجناء من جميع الممالك معًا دون مشاكل.
كانت الممالك عوالم موازية للعالم البشري. ولم يكن باستطاعة غير البشر عبور الحدود بينها.
لم يكن أبي داريوس وأمي إلينور من نفس النوع. كانت أمي مستذئبة، بينما كان أبونا ساحرًا. شخصان من عالمين مختلفين. لكن القدر جمعهما معًا. على الرغم من العداوة الموجودة بين المملكتين، لم يمنعهما شيء من قبول بعضهما البعض.
منذ سنوات عديدة، اندلعت حرب بين مملكة السحرة ومملكة اللايكان. لا أحد الآن يعرف سبب الصراع الدامي. الشخص الوحيد الذي يملك أي إجابات هو ملك اللايكان نفسه، مستشاروه كانوا مرعوبين منه ومن غضبه لدرجة أنه لم تنتشر حتى مجرد شائعة طوال مئتي عام مضت منذ اندلاع الحرب.
لكن الكراهية والاستياء اللذين شعرت بهما المملكتان تجاه بعضهما البعض كانا لا يزالان عميقين. وبالأخص من جهة اللايكان.
غير لقاء والدينا المفاجئ كل شيء. لم يستطيعا احتمال فكرة الفراق ، فقررا ترك عائلتيهما ورحلا معا.
لم تسمح أي من المملكتين لوالدي بالعيش كرفيقَين على أراضيها. فالجميع لا يرغب في تلك المخلوقات الهجينة التي قد يتناسلون لإنتاجها ضمن مجتمعاتهم الخاصة.
لم يكن السحرة واللايكان وحدهم من لا يرغبون بالهجناء. فمصاصو الدماء، والجان، والمتحولون إلى تنانين أيضًا منعوا ذلك تماماً. كان يُنظر إلى المخلوقات الهجينة على أنها أدنى شأناً.
اعتاد والداي على السفر ذهابا وايابا من مملكة اللايكان لعدة سنوات.
لطالما كانت والدتي معلمة لتاريخ الممالك السبع. ورغم أن الألفا الملك لم يوافق في البداية على بقائها في المملكة مع رفيقها، فإنه قبل بضع سنوات دعاها للعودة للتدريس في إحدى مدارس القطيع.
قدم لها نوعاً من الاعتذار بدعوتها ووالدي لحضور حفل اللايكان الملكي هذا الأسبوع. أما أنا وأختي مايف، فقد رافقناهما في رحلة الزيارة هذه للمملكة. لكن للأسف لم نتلق الدعوة للمشاركة بالاحتفالات بأنفسنا.
لم أرغب أساساً بحضور الحفل.
اللايكان أناس متكبرون، وتخيلت أن البلاط الملكي أسوأ بكثير. كانوا يظنون أنهم أعلى شأناً منا نحن، المخلوقات الهجينة.
ارتجفت من نذير سوء، انتشلني من أفكاري. وفجأة، تملكني شعور قوي بالمراقبة. شعرت وكأن زوجاً من العيون تحدق بى من الخلف.
دققت النظر نحو خط الأشجار حين لاحظت ظلاً بعيدًا حيث ضرب الضوء الغابة..
"نالا" قال صوت من الظلام. "عليك أن تري شيئاً."
كان صوت امرأة، غامضًا وجذابا، كتعويذة سحرية.
تمتمت وأنا أقف مرتبكة، "من هناك؟"
"للأسف لا أستطيع الكشف عن نفسي. على الأقل ليس الآن."
"ماذا تريدين أن تريني؟"
"هو ..." قالت بنبرة تنذر بالسوء. "اتبعيني."
اختفى الشكل الغامض في العتمة ، مستدرجاً إياي نحوه.
قادتني عبر الأشجار، تتلوى في الأمام، كسحابة متلألئة. بالكاد استطعت تمييز شكل امرأة. كانت ترتدي عباءة طويلة داكنة. أوصلني الظل إلى مساحة خالية ولكن في اللحظة التي لمست فيها الضوء، بدا وكأنه يتبدد.
رغم أنه كان منتصف النهار، أظلمت السماء فجأة وكأننا في منتصف الليل.
في مركز الحديقة، نما اللهب. كان خافتاً ، كشبح. إذا لم يكن هذا حقيقياً، فهل هذا يعني أني كنت أطل على المستقبل؟
سمعت طبولاً في المسافة. اشتدت دقات الطبول بإلحاح جعل قلبي يتسارع. علمت أنني كنت بانتظار شيء ما ، لكن ماذا؟
نظرت حولي، لكن المرأة لم تكن في أي مكان.
فجأة، ظهر ظلان غامضان ، رجل وامرأة. سار كل منهما نحو الآخر ، محدقين في بعضهما البعض. مع كل خطوة يأخذانها، ازداد وضوحهما وراح الضوء البرتقالي ينعكس على جسديهما شبه العاريَين. من حيث وقفت ، بقيت ملامح وجهيهما الوحيدة المخفية.
في اللحظة التي تلامسا فيها، أضاء جسدي. وعندما أمسك الرجل خصر المرأة بلطف ، مجذباً إياها نحوه، شعرت بدفء ينتشر في جسدي.
فيما كان يهمس في أذنها، شعرت بقشعريرة تسري في عمودي الفقري ، وكأنه كان بإمكاني سماع كلماته.كان وجهه مدفوناً في رقبتها، لكن وجهها أصبح واضحًا الآن. شهقت عندما عرفتها. نفس العيون الزرقاء التي كنت أنظر إليها في المرآة طوال حياتي.
المرأة كنت أنا...