الرفيق المفقود - غلاف كتاب

الرفيق المفقود

A. K. Glandt

فصل 6

كان عيد ميلادي السادس عشر يومًا صعبًا بالنسبة لي.

بينما كان بإمكان معظم الذئاب التحول، لم يكن لدي شيء سوى التمني.

كنتُ على يقين أن خيبة الأمل ستصيبني لا محالة، لكن مع ذلك لم أستطع إلا أن أدعو أن يكون الغد هو اليوم الموعود.

الجانب الإيجابي في الأمر هو أن كودا لا يزال يدربني، على الرغم من عجزي عن التحول إلى ذئب أو افتقاري لأي مهارات خاصة بالذئاب.

ساعدني ذلك الشجار الذي وقع منذ خمسة أشهر تقريبًا.

فعلى عكس أي معلم آخر كان سيوبخ ويعاقب تلميذه لإيذاء عضو آخر من القطيع، كان كودا مبتهجًا بعرضي لمهاراتي.

حين عَلِم الضرر الذي تسببت به، أخذني لتناول الآيس كريم، ومنذ ذلك اليوم سمح لي بمبارزة المتدربين الآخرين.

كنت أفوز بنفس القدر الذي أخسر فيه، وهو أمر مثير للإعجاب باعتبار ظروفي، على حد قول غراي. أما كودا، فلم يكن راضيًا بالكامل.

بدأ بتصحيح أسلوبي وإسداء النصائح لي خلال جلسات التدريب الخاص بنا، لكنه بدأ أيضًا بإضافة تعليمات خاطئة عمدًا أثناء التدريب.

كان عليّ أن أتعلم من أخطائي بنفسي، الأمر الذي كان يستغرق وقتًا طويلًا. غالبًا ما كنت أفشل مرارًا وتكرارًا قبل أن أجد الحل.

كان عليّ أحيانًا تغيير استراتيجيتي، باستخدام ضربة لأعلى بدلًا من ضربة جانبية، أو البدء بقدمي اليسرى بدلًا من اليمنى. كنت أتحسن بسرعة.

كان عقلي يعمل بسرعة في تحليل التوجيهات، وحساب السرعة والقوة والمجال.

ضربتُ صدر كودا بقبضتي، لكنه لم يتزحزح. تراجع خطوة إلى الخلف وحدّق بي بغضب. "ماذا أخبرتكِ؟"

تنهدتُ وضغطتُ على جبهتي برفق. "أسرع طريق إلى القلب هو ما بين الضلعين الرابع والخامس."

فأجاب صارمًا: "إذًا لماذا ضربتيني بين الثالث والرابع؟"

احتججت قائلة: "لم أستطع توجيه الضربة بدقة." اعتقدتُ أن ضربه في أي مكان أفضل من عدم ضربه إطلاقًا.

"إذن سددّي ضربتك بدقة يا كليو. اجعليني أكشف نفسي."

"لقد نجحتُ في إصابتكَ. كنتُ أعلم أنّكَ ستُصاب بجرح، وعندها سأحصل على فرصتي."

اعترف قائلًا: "ربما." ثم رمقني بنظرة غاضبة بينما أخذ خطوة مهددة إلى الأمام، مما دفعني إلى التراجع عدة خطوات كرد فعل.

"أو ربما كانت سكينتكِ لتعلق في أضلاعي."

ثم تقدم خطوة أخرى.

"طالما لم يخترق النصل قلبي، سأبقى حيًا. سأنتزع السكين من نفسي وأستخدمها ضدك."

في لمح البصر، حاكى حركة انتزاع خنجر من جنبه. ثمّ سدد ضربة قوية بأسفل قبضته على صدري، في المكان الذي كان يجب أن أضربه فيه بالضبط.

وبدون أن يسحب قبضته، حدق في عينيّ بعمق.

"ربما قتلتيهم، وربما أيضًا منحتيهم السلاح ليقتلوكِ به."

أنزل يده وتراجع إلى الخلف مضيفًا: "في كلتا الحالتين، طعنة بين الضلع الرابع والخامس تعني موتًا فوريًا. هكذا تتأكدي من عدم قدرتهم على قتلكِ."

"لا تجازفي يا كليو، لا داعي لتعريض نفسك للخطر. قد تُقتلين إن فعلتِ ذلك."

استمرت كل دروسي على نفس النهج القاسي. ما لم أتقنها بإتقان تام، لم تكن أبدًا جيدة بما يكفي.

عدم الإتقان ليس كافيًا، والإصابات الجسيمة لا تعني موتًا محققًا.

تدربت بضراوة في أوقات فراغي، أحيانًا أطلب من غراي أن أختبر مهاراتي عليه. مع مرور الأيام، صرت أكثر براعة. في أغلب الأوقات، كنت أتفوق على المتدربين الآخرين.

لكن مهما تحسنت، لم أستطع أبدًا التفوق على كودا.

في بعض الأحيان، كنتُ أُسدد له بعض الضربات القوية التي كانت تُذهله حقًا، لكن لم تتطور الأمور أكثر من ذلك.

في أحد الأيام، خسر رهانًا معي، فاصطحبني كودا، مكافأة منه، مع المتدربين في دورية لحراسة الحدود.

راهنني، على الرغم من إصابة كاحلي، أنني لن أتمكن من مواجهة جاب وسيلفا معًا وهزيمتهما.

كان هدفه من ذلك أن يُعلمني درسًا هامًا: أن الإفراط في التدريب يُسبب ضررًا كبيرًا، وأن عليّ أن أُعتني بجسدي وأُكمل شفائي بشكل تام قبل أن أُقدم على خوض أي قتال جديد.

أصررتُ على عدم تفويت تدريبي ذلك اليوم، فخطط لفشلي أمام الذئبين اللذين يكرهانني أكثر من أي شخص آخر.

في المقابل، راهنته أنه إن تمكنت من هزيمتهما، فسيسمح لي مرافقته في دورية الحدود فور شفاء كاحلي.

وافق، لكنه اشترط أنه إن خسرت، فسأكون عضوة القطيع الوحيدة المسؤولة عن تقطيع وتكويم الخشب لمدة ثلاثة أسابيع.

قاتلتُ بكل ما أوتيت من قوة. تذكرتُ كل الإهانات والأفعال التي قاموا بها ضدي، وجعلت غضبي يحفزني. فزتُ في النهاية، لكنني لم أخرج من المعركة سالمة.

وأخيرًا، انضممتُ إلى دورية حراسة الحدود برفقة باقي أفراد القطيع. تحول الجميع إلى هيئتهم الحيوانية، بما في ذلك المتدربين، مستخدمين حواسّهم الحادة لالتقاط أي رائحة غريبة تُهدد أراضينا.

بينما انشغلوا بشم روائح المتطفلين، كنتُ أُمعن النظر في محيطنا بحثًا عن أي علامات تحذيرية كأغصان مكسورة، أو آثار مخالب، أو خصلات فراء لا تخص قطيعنا.

هطلت الأمطار بالأمس، مما جعل الأرض طرية ولينة، مثالية لترك آثار الأقدام بوضوح.

كانت الذئاب الأخرى متوترة، لكننا لم نعثر على أي أثر للمتطفلين حتى الآن.

"كودا!" ناديت على الذئب الرمادي، الذي توقف واستدار. أشرتُ نحو بعض نباتات السرخس التي دُهست.

بينما كنتُ أزيح السرخس جانبًا لأكشف عن مجموعة من آثار الأقدام، هرول البيتا نحوي. شمّ كودا آثار الأقدام وزمجر بصوت عالٍ. خمنت سائلة: "هل تعتقد أنّ هذه الآثار لا تنتمي لأحد من قطيعنا؟" أومأ برأسه موافقًا.

"هناك مجموعة واحدة فقط من الآثار، لذلك أعتقد أنه ذئب وحيد."

سمعت صوت نباح من الأمام، وفي لمح البصر استدار كودا وانطلق مسرعًا في الاتجاه الآخر، تاركًا إياي وحيدة بينما سار باقي الذئاب خلفه.

ناديت قائلة: "حسنًا، سأكون بخير. سألحق بكم. اذهبوا أنتم."

شعرتُ بالسخافة وأنا أُحدث نفسي وأتذمر من تركهم لي وحدي بينما يواجهون الخطر المجهول.

انحنيت وتتبعتُ آثار الأقدام بيدي. شيء ما لم يكن على ما يرام. نظرت من الآثار إلى الآثار التي تركها كودا.

كانت بصمات الأقدام أمامي غائرة في الأرض، كأن قطيعًا كاملًا قد مرّ من هنا.

تمتمتُ بلعنة خافتة. هذا ليس ذئبًا واحدًا، لقد كانوا يتخفون بآثار قائدهم لإخفاء عددهم.

بغض النظر عن عددهم الحقيقي، شعرتُ بغريزة تحذرني بأنهم ليسوا سوى قطيع وحشي يسعى لخوض معركة.

التقط أنفي رائحة كريهة قوية لدرجة أنني تمكنتُ من شمها.

أم كان هذا بسبب كثرة عددهم وقربهم؟

لو كان الأمر كذلك، فهذا يعني أنهم جميعًا في...

"اللعنة!" صرختُ وقفزت من مكاني مندفعة في الاتجاه الذي ذهب فيه الذئاب الآخرون.

"كودا، هناك المزيد منهم. إنها كمين! إنه يقودكم إلى..."

قطعَ أنفاسي جسمٌ ضخم يصطدم بي ويسقطني أرضًا.

شعرت بحرارة بينما فتح الذئب المهاجم فكيه استعدادًا لمهاجمتي.

حاولت بكل قوتي تخليص نفسي من قبضته ودفعه بعيدًا عني، بينما كان هو يُحاول عضّي مجددًا.

انزلقت يدي ولففتُ عنقي جانبًا، تاركة الذئب يعض الهواء الفارغ حيث كان رأسي منذ ثوانٍ قليلة. تأوهتُ من الألم بينما أحرر ذراعي من قبضته، ثمّ لكمتُ جانب رأسه بكل قوتي.

عوى الذئب وغرس مخالبه في كتفي. صرخت ومَدَدتُ يدي إلى الخنجر الفضي المُخبّأ في حذائي.

غرزت سلاحي في صدره وسمعت على الفور صوت السلاح يخترق جسده.

عوى الذئب الوحشي من الألم، وتمكنتُ من دفعه بعيدًا عني وانتزاع الخنجر لأطعن جمجمته. في لمح البصر، كنتُ واقفة على قدميّ أقتلع الخنجر.

استدرت في الوقت المناسب لأرى ذئبًا رملي اللون يتقدم لمهاجمتي.

سقطت على الأرض وجذبت ساقيّ إلى صدري، ثم دفعتهما بكل قوتي عندما لامسني الذئب، فأطحتُ به بعيدًا.

ارتطم الذئب بالأرض على ظهره، فبدأ يتلوى محاولًا النهوض. لاحظتُ على الفور أنه يعرج قليلًا في مخلبه الأيسر.

زمجر الذئب غاضبًا، ثم انقض عليّ. انحرفتُ جانبًا، لكني أبقيتُ يدي الممسكة بالخنجر ممدودة، وغرزت السكين في عنقه.

أصيب الذئب بجرح عميق في عنقه، فسال الدم بغزارة من الجرح، تاركًا أثرًا دمويًا على فروه.

استغللتُ ارتباك الذئب من الألم، وصدمتُ كتفه الأيسر بكامل وزني، مما أفقده توازنه. ضربتُ بمقبض خنجري مخلبه المصاب فأطلق صرخة ألم حادة.

غرزت خنجري في أضلاعه، فمات على الفور.

برز ذئبان آخران من مخبأهما بين أوراق الشجر وشرعا بالدوران حولي.

اتضح أنهما يخططان للقضاء عليّ معًا، ولن أنجو إذا فعلا ذلك. لكنني عاهدتُ نفسي على أن أقتل أحدهما على الأقل.

انقضّ الذئبان عليّ في آنٍ واحد. هاجم الذئب ذو الفراء الأسمر كتفي المصاب، الذي كان قد أصيب من أنياب الذئب الأول. سقطتُ على الأرض على جانبي، حيث كان ينتظر الذئب الآخر.

بذلت قصارى جهدي لصدّ هجماتهما، لكن جسدي كان ينهار من التعب. كانا أكبر وأقوى بكثير من تلك الذئاب الأخرى التي واجهتها سابقًا.

بينما كنت مطروحًا أرضًا وشعرت بأنياب حادة ينغرس في كتفي، ظهرت ثلاثة ذئابٍ مختلفة من بعيد بين الأشجار.

كانت آثار الدماء تلطّخ أنيابهم وفروهم توحي بضراوة الاشتباك الذي خاضوه للتو.

لم تكن تلك الذئاب ذئابًا عاديّة. في الحقيقة، لم يكونوا حتى مستذئبين. كانت تحيط بهم هالة من السكينة.

كان الذئب الأول بلون بني مائل للاحمرار، يشبه الثعلب، لون لم أشهده قط على ذئب.

وإلى جانبه، وقف ذئبٌ بلونٍ أشقر ورمادي، وعيناه مختلفتا الألوان، إحداهما بنية والأخرى زرقاء باهتة.

أما الثالث فكان لونه أبيض ترابيًّا، أفتح قليلًا من لون الذئب الأشقر. كلها كانت تراقبني دون أن يتقدم أي منها للمساعدة، إلى أن ظهر فجأة من خلفها ذئبٌ ضخم.

اعتقدتُ في البداية بأن فراءه يبدو أسود، لكنني لم أكن متأكدة تمامًا، إذ كان يصدر عن فروته بريقٌ أزرق داكن. لم يكن أزرق بحري، فهو ليس باهتٍ إلى هذا الحد. بل كان أقرب إلى أزرق ليلي.

كنتُ منغمسةً للغاية في محاولة تحديد لون فراء الذئب، حتى أنني لم ألحظ اقتراب المساعدة.

تعالت عواءات غاضبة متتالية، وظهرت مخالب ضخمة أمامي.

انزاح الثقل عني فجأة، عندما تم إلقاء الذئب الذي كان يطبق عليّ بعيدًا. تدافعت ذئاب القطيع أمامي في هجوم عنيف على الذئاب الأخرى.

لم أتحرك من مكاني، بل واصلت النظر إلى الذئاب الغريبة التي كانت تراقب ما يحدث.

هزتني أيادٍ خشنة، لكنني لم أعرها أي اهتمام. كنت مسحورة بالذئاب الأخرى، خاصةً الذئب الأزرق المسود.

"كليو، كليو!" نادى الذئب الذي يهزني باسمي. "أجيبيني يا كليو!"

سألته: "من هؤلاء؟" ثمّ فقدت وعيي.

الفصل التالي
Rated 4.4 of 5 on the App Store
82.5K Ratings
Galatea logo

كتب غير محدودة وتجارب غامرة.

غالاتيا فيسبوكغالاتيا إنستغرامغالاتيا تيك توك