كولت - غلاف كتاب

كولت

Simone Elise

2: عاصفة سمر

سمر

بحلول الوقت الذي توقفت فيه سيارتي أمام منزل "عقرب" كانت السماء تمطر بغزارة.

أنزلت المرآة الأمامية أتفقد طبقة كريم الأساس السميكة التي وضعتها قبل خروجي.

لم أحتمل فكرة نظرة خيبة الأمل على وجه أخي لو رأى الكدمة الجديدة – كدمتي الأولى – ولا حتى التفكير بما قد يفعله لـ"إليوت" لو رآها بالفعل.

كان أخي رجل قوي. مصدر فخره هو التزامه بكلمته وقدرته على طرح رجل أرضًا بلكمةٍ واحدة.

شخصيةٌ لا يتجرأُ أحدٌ على استفزازها. وحين كانت الحياة تعصف بك، فلا خيار سوى النهوض أقوى مما كنت.

كانت هذه قناعاته، والتوجهات التي نشأ عليها.

رغم فقرنا المدقع، كانت كلمتنا محل ثقة، وقدرتنا على الدفاع عنها مصدر اعتزاز.

كان بمثابة عمود منيع، نال حضانتي الكاملة حين كنت في الثامنة. لكن فور بلوغي الثامنة عشرة، عاد للحياة الوحيدة التي عرفها: حياه الملهى.

لقد تخلى عنها ليضمن تربيتي على الوجه الأمثل، وما إن عدنا لتراب هذا الوطن واعتُبرتُ "راشدة" بما يكفي لرعاية نفسي، حتى عاد أدراجه لملهي فايبرز للدراجات النارية.

لا يعني هذا أنه تخلى عني فحسب من أجل الملهى...لا، بل كنت أنا مَن وضعتُ شرطًا غير قابل للنقاش: إما الملهى أو أنا.

وغنيٌ عن القول أننا لا نتكلم كثيرًا هذه الأيام. اختار حياة الجريمة على أخته، وما زال هذا التصرف يقلب أحشائي من مرارته. يعود لماضيه الغارق في الخطيئة بعد كل ما فعله ذلك الملهى اللعين به!.

هكذا هم راكبو الدراجات النارية – ولاؤهم لغرباء يرتدون ذات الشعار أقوى من لحمهم ودمهم.

بعدما اطمأننت لخلو وجهي من الشوائب، أمسكتُ حقيبتي من مقعد الراكب وفتحتُ باب السيارة منطلقة في المطر نحو شرفة "عقرب".

طرقتُ الباب الأمامي بشدة، وضغطت على جرس الباب مرارًا دون رد.

مددتُ يدي أسفل حصيرة الباب أملاً في إيجاد النسخة الاحتياطية من المفتاح – كم كان شعور الارتياح هائلاً حين لمست يدي المفتاح أخيرًا!.

فتحتُ الباب خطوة حذرة ودخلتُ محتميه بجو المنزل الدافئ الذي تفوح منه رائحة مألوفة: الحشيش، الرجولة...والوطن. ترعرعنا هنا حتى بلغت الثامنة، لطالما أحب "عقرب" هذا البيت تعلقًا غريبًا. "عقرب؟"

غاص قلبي حين لم يجب أحد. تأخرت كثيرًا...تصاعد خوفي عليه مستوى آخر – فليس من شيمه ترديد ما جاء في رسائله من شكٍ ومخاوف.

وعندها رأيت شيئًا يلمع. في عتمة غرفة الجلوس كان جمر سيجارة مشتعلة يضيء خافتًا. جلس شخص مقنّع الرأس. طويل، مخيف، تفوح منه رائحة المطر...ويحدق بي مباشرةً

"أين هو؟" زمجر الرجل

تجمدت تمامًا، خوفي بلغ مداه. من هذا الغريب؟ ماذا يريد؟

"أين عقرب؟" كرر الرجل السؤال

"لا أعتقد أنه في المنزل. أنا..." انقطعَ نفسي حين قام الرجل، أزال غطاء رأسه وكشف عن وجهه.

بعض الرجال ينذرونك بالخطر لمجرد النظر إليهم...وحتى وهو يخلع سترته الجلدية، أيقنتُ أني أنظر مباشرةً إلى شخصٍ يجسد هذه المعضلة بكامل هيئته.

خصلات سوداء مبللة سقطت أمام عينيه الزرقاوين الساخنتين. ندوب باهتة تزين ظهر قبضتيه الكبيرتين..وشم مُفصلة تزحف عبر ذراعيه العاريتين، مخفية أسفل ياقة سترته الموشومة برمز رأيته منقوشًا على صدر أخي حين كنت في السادسة.

تباً، من هذا اللعين داخل منزل أخي؟! طارت عيناي للبحث عن أي سلاح في المطبخ...

"فكرة سيئة يا صغيرة" هدّد صوته الخشن "رأيتِ وشومي....تعرفين تمامًا ما يمكنني فعله"

سائقي الدراجات النارية؟ أجل، أعرف قذارتهم جيدًا.

تجولت عيناه فوقي ببطء. من شعري المبلل الطويل، أسفل ساقيّ الناحلتين، وصولًا إلى حذائي ذي الكعب العالي الفضي. لن يخفى عليه أن هذا الفستان أصبح شبه شفاف بفضل المطر...لم يأبه باللياقة ولم يخفض نظراته، بل تعمّد إطالة التحديق بصدري.

شاهدته يسحب علبة سجائر من جيبه، أشعل واحدةً وأخذ نفسًا طويلًا...كل ذلك دون أن يكف عن التحديق بي. قشعريرة اجتاحت جسمي.

لستُ ساذجة. عرفت تمامًا سبب وقاحة نظراته...عدم ارتدائي لحمالة صدر بات واضحًا في هذه الظروف.

"يُفترض بي إبلاغ "عقرب" بزيارتك؟" حاولتُ صرف انتباهه بكلامي، وفاجأني فعلاً حين رفع بصره إليّ.

" هل أنت عشيقته, ام ماذا؟؟" صوته مقتضب كعادته، ونبرته تنضح بسخط خالص.

عشيقته. تفكير نمطي لراكبي الدراجات، وكأن كل النساء يُجبن للرجل في النهاية. "عالم الدراجات اللعين"...اشمئزاز عميق اجتاحني من هذه الفكرة.

الملهى كان سبب خلافي الدائم مع "عقرب". أكره هذا الملهى! وبالنظر لوضعي الآن، وحيدة في المنزل مع هذا الوحش...لن أعترف بالأمر على الإطلاق. ناهيك عن حقيقة وحيدة يقدسها أمثاله: امرأةٌ تُعتبر ملكًا لعضوِ نادٍ آخر تُعامل بحصانة خاصة.

"تقريبًا" أجبت. كل ما شعرت به الآن هو حاجتي لحماية "عقرب". ولو استدعى الأمر استغلال اسم أخي لمنع هذا المعتوه من التهام عينيّ بنظراته، فأنا سأفعلها بحق الجحيم. "عقرب" له سمعةٌ تثير الرعب في قلوبهم أجمعين.

"كويس..." انحنى ناحيتي مستعينًا بطوله لإرعابي

".لإذا كنت تريدين أن تذلين عشيقته، عليكي تغير ملابسك قبل أن أمزقها أنا.لفستان شفاف بالمناسبة"

ختم جملته اللعينة ليحسم حكمي عليه نهائيًا: ذكر متسلط آخر يظن بأنه يملك حق التصرف كيفما يشاء. تصرّفه يوحي وكأنه مسجون انطلق توا من العزلة وأنا أول امراة أمثل أمامه. ربما عليً إعادة توجيه طاقته الهمجية نحو أحد نوادي أخي الليلية.

لم أملك نفسي عن عقد ذراعيّ وتحديقه بعينين ضيقتين "قميصك كمان شفاف، لكنني لم أشتكي؟"

تحركت لأتجاوزه... فبدلًا من إفساح الطريق، اعترضني بذراعه

"إنتِ وأنا نعلم كويس إنك مش من أملاك الملهى"

شعرت بحاجتي الماسة للحديث عن الملهى مجددًا كدرع أخير أمام خطورته...هذا رجل تقتل النظرات!

"حياتي كلها دين لأعضاء الملهى " وهذه الحقيقة. لقد ساعدوني أنا وعقرب للهرب من هذه البلد لما كان صغيرًا بينما كان أخي يواجه حكما بالسجن لسنوات. أما كيف نجا من العقاب على جرائمه فهذا سر حتى الآن.

"حرك ذراعك" رفضتُ لمسه " حلا"

"ولا هتعملي ماذا سوف تفعلين إن لم أفعل؟" تحداني بوقاحة.

كفى! طفح الكيل. لقد سئمت دور الفتاة العاجزة أمام كل رجل أرعن. ما الذي أوهم هذا الغريب بأنه يملك حق استجوابي في بيت أخي بالذات؟

"تحرك وإلا سأجبرك" كلماتي خرجت مصحوبة بصكّة أسنان. في هذه اللحظة تحديدًا يثبت شقيقي أنه على حق دائمًا وأنا المخطئة، فأنا لا أحمل سلاحًا معي كما ينصح دومًا.

"من الواضح أنك تعرفين من أنا، صحيح؟" تحدق بي بتمعن

نعم، كنت أعرف تمامًا - هو مجرد راكب دراجات آخر يظن بأن كلمته فوق الجميع.

رفعت رأسي متحدية بصمت...استخدام الصمت سلاحٌ فعّال، ويجعله يتشكك بحركتي القادمة

"ما الذي أتى بك إلى هنا؟" سأل فضوليًا

"هذا ليس من شأنك"

"من الممكن أن تكوني حبيبة عقرب، بالمناسبة أين هو؟" حاول ثانيةً

"لست حبيبته" أجبت مختنقة من القهر "أنا أخته"

بدا واضحًا أني لا أرغب في إمضاء دقيقة أخرى بصحبة رجل ينظر للنساء كمتاع خاص، لذا أضفت "ما رأيك لو أبلغته بمكانك؟"

بعد إيماءة موجزة منه، دخلت على دردشتي مع "عقرب" أملاً في جذب انتباهه لوجود غريب بمنزله

سمرأنت تعرف أن هناك رجل في منزلك
عقربماذا؟
سمركبير، وشعار الأفاعي، والكثير من الوشوم. هل هذا يرن جرسًا؟
عقربماذا تفعلين في منزلي؟
سمرلقد أخفتني كثيرًا !!!
سمرماذا كنت تتوقع؟
عقرباذهبي
سمرماذا عن الرجل؟
عقربلا تقلقي بشأنه
عقربعودي إلى ذلك المنزل الفخم الخاص بك
سمرما الذي يجعلك دائمًا تتحدثين عن منزلي وإليوت؟
عقربهذا هو المكان الذي تنتمين إليه
عقرباذهبي إلى المنزل يا سمر
عقرباعرفي مكانك

اعرفي مكانك. بدأت عيني بالدمع وأسرعت في إخفاء الدموع. لم يكن هذا وقت البكاء.

وبالنظر إلى تعبير الرجل الملتوي، بدا أنني لم أكن سريعة بما يكفي.

"هل أنت بخير؟" بدت الكلمات غير مريحة، كما لو أنه لم يقلها لأحد من قبل.

"أعتقد أنه في الملهى."

"هل تريدين أن أنقل رسالة إلى أخيك؟" أعاد سترته.

لم أستطع منع شفتي من الالتواء بمرارة. "لقد أوضح أنه أخوك أكثر من كونه أخي."

"على الأقل يعرف مكانه". تسببت كلماته في صمتي للحظة. كيف تمكن من إعادة صياغة نفس الكلمات التي استخدمها أخي للتو معي؟

"اذهب إلى الجحيم" بصقت. من يظن أنه؟

انتشرت ابتسامة مغرورة على وجهه. "لقد خرجت للتو."

علق أنفاسي في حلقي عندما سقطت قطع اللغز في مكانها. ضرب البرق في السماء، مما جعل شعر مؤخرة رقبتي يقف عندما سألت، "انتظر، هل أنت ...؟"

أضاء بريق شرير وجهه. "كولت هدسون. الشيطان."

نصيحة ذهبية!

يمكنكم العثور على خصومات، عروض ترويجية، وأحدث التحديثات في مجموعتنا على الفيسبوك https://www.facebook.com/groups/galatea.stories

! انضموا إلى مجتمعنا اليوم!

الفصل التالي
Rated 4.4 of 5 on the App Store
82.5K Ratings
Galatea logo

كتب غير محدودة وتجارب غامرة.

غالاتيا فيسبوكغالاتيا إنستغرامغالاتيا تيك توك